مكة المكرمة - في قلب الحرم المكي، تتألق الكعبة المشرفة بحلتها الجديدة كل عام، حيث يُعد تغيير الكسوة مشهداً روحانياً مهيباً يحمل دلالات عميقة.
يقع مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، ويُعتبر المركز الوحيد في العالم المتخصص في صناعة هذه الكسوة. يضم المجمع نحو 159 عاملاً وفنياً من أمهر النساجين، الذين يعملون بدقة على مدار العام.
تبدأ رحلة الكسوة بخيوط حريرية مستوردة من إيطاليا، تُحوّل في المجمع إلى نسيج أسود فاخر، يُطرّز يدوياً بخيوط من الذهب والفضة. ويقول أحد العاملين: "نحن لا ننسج قماشاً... بل ننسج قدسية، نغزل الإيمان، ونطرز الجلال".
تتزين الكسوة بآيات كريمة كُتبت بخط الثلث، وأبرزها: "قل هو الله أحد"، وعبارات مثل: "يا حي يا قيوم"، و"لا إله إلا الله محمد رسول الله"، والتي تُطرّز داخل قناديل تزيّن جوانب الكسوة. ويبلغ طول الكسوة نحو 14 متراً، وتغطيها قطع مطرزة يدوياً تبرز أسماء الله الحسنى وآيات الذكر الحكيم.
الجزء الداخلي من الكعبة مكسو بقماش أخضر مزخرف، تتخلله آيات بينات من القرآن الكريم.
يتم تغيير الكسوة كل عام في غرة شهر المحرم بعد صلاة الفجر، حيث يُسلم الثوب الجديد إلى كبير سدنة البيت الحرام في مشهد روحاني خاص. تُنقل الكسوة في موكب خاص وتُستبدل بأخرى جديدة، تُعلّق بحبال مذهّبة من الزوايا الأربع.
تبلغ تكلفة الكسوة نحو 25 مليون ريال سعودي، بسبب المواد الفاخرة المستخدمة والعمل اليدوي المتقن، وتستغرق عملية التحضير أكثر من عشرة أشهر من العمل المتواصل. تعود عادة كسوة الكعبة إلى عصور قديمة، وقد تولت المملكة العربية السعودية رسمياً تصنيعها داخلياً منذ أكثر من مئة عام، تعبيراً عن الاعتزاز بخدمة الحرمين الشريفين.
تُعد الكسوة رمزاً للروحانية والفخر، وكل خيط فيها يحمل عبق القداسة، لتكون شاهداً على ملايين القلوب التي تلبي نداء الله في موسم الحج.