شهد العراق في السنوات الأخيرة العديد من حوادث الحريق، لاسيما في فصل الصيف حيث ترتفع درجات الحرارة بشكل ملحوظ. وقد أسفرت هذه الحوادث عن وقوع العديد من الضحايا، حيث توفي نحو 320 شخصاً في حريق المجمع التجاري في الكرادة، و82 في مستشفى ابن الخطيب، و92 في مستشفى الحسين في الناصرية، و113 في قاعة الحمدانية، بالإضافة إلى أكثر من 60 شخصاً في هايبر ماركت في محافظة واسط.
تظهر الإحصائيات أن المباني التجارية والطبية وغيرها تفتقر إلى شروط السلامة، مما يعود إلى غياب الرقيب الحكومي والفساد الإداري والمالي، فضلاً عن الإهمال الذي يمارسه أصحاب هذه المباني. وقد نظم القانون العراقي هذا الأمر من خلال المواد (202-227) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951، التي تتضمن أحكام المسؤولية التقصيرية.
تُعتبر المباني التجارية جزءًا حيويًا من البنية التحتية للمدن الحديثة، حيث تضم أنشطة اقتصادية وتجارية متنوعة. ومع ذلك، فإن الاستخدام الكثيف لهذه المباني قد يؤدي إلى أضرار للغير نتيجة الإهمال أو التقصير في صيانتها أو إدارتها.
تُعرف المسؤولية التقصيرية بأنها التزام قانوني ينشأ عن إضرار بالغير بفعل غير مشروع، دون وجود علاقة تعاقدية بين الأطراف. وتهدف هذه المسؤولية إلى إعادة التوازن للمتضرر من خلال التعويض. وتتمثل أركان المسؤولية التقصيرية في الخطأ (الإخلال بواجب قانوني)، والضرر (الذي يجب أن يكون محققًا)، والعلاقة السببية (إثبات أن الضرر ناتج عن الخطأ مباشرة).
فيما يتعلق بالمباني التجارية، يتحمل المالك أو المستأجر مسؤولية إدارة المبنى وصيانته. إذا تسببت أجزاء من المبنى في إلحاق ضرر بشخص من الجمهور، يمكن أن يُسأل المالك أو المستأجر عن مسؤولية تقصيرية. وفي حال كان الضرر ناتجًا عن عيب في التصميم أو البناء، فقد يتحمل المهندس أو المقاول المسؤولية وفقًا لمبدأ "الخطأ الفني" أو "العيب الإنشائي".
تؤدي المسؤولية التقصيرية دورًا وقائيًا بجانب دورها التعويضي، حيث تحفز أصحاب المباني التجارية على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الزوار وتفادي المسؤولية القانونية. ومن المهم أن يلتزم أصحاب هذه المباني بأعلى معايير السلامة والصيانة لتجنب النزاعات القانونية وضمان بيئة آمنة للمجتمع.
تُعتبر المباني التجارية أكثر من مجرد منشآت اقتصادية، بل هي فضاءات عامة تتطلب أعلى درجات العناية. وتفرض أحكام المسؤولية التقصيرية الواردة في القانون العراقي التزامات صارمة على القائمين عليها، تحقيقًا لحق المتضررين في التعويض وتعزيزًا لمبدأ العدالة والضمان الاجتماعي.