أعلنت شركة "ديب مايند" التابعة لـ"غوغل" عن إطلاق أداة "إينياس" (Aeneas) التي تمثل قفزة نوعية في مجال فك رموز النقوش الأثرية. سُميت الأداة تيمنا بالبطل الأسطوري "إينياس" الذي نقل تراث طروادة إلى روما، مما يفتح آفاقاً جديدة لفهم تراث الإمبراطورية الرومانية.
تعتمد الأداة على تقنيات تعلم عميق متطورة، حيث تم تغذيتها بقاعدة بيانات ضخمة تضم أكثر من 176 ألف نقش لاتيني من مختلف أنحاء الإمبراطورية الرومانية. هذا الكم الهائل من البيانات، الذي يمثل عقودًا من الجهود الأكاديمية في توثيق ورقمنة النقوش الأثرية، يمكن الذكاء الاصطناعي من تطوير فهم دقيق للغة اللاتينية القديمة وخصائصها الأسلوبية عبر العصور.
تتميز أداة "إينياس" بقدرتها الفريدة على سد الثغرات في النقوش التالفة، حيث تصل دقتها في استكمال النصوص المفقودة إلى 73% للفجوات التي لا تتجاوز عشرة أحرف. الأكثر إثارة هو قدرة النظام على تحديد الفترة التاريخية للنقوش ضمن هامش زمني ضيق لا يتجاوز 13 سنة، وهي دقة تفوق أحيانًا قدرات الخبراء البشر.
أثبتت الأداة فعاليتها عند تطبيقها على النقش الشهير "أعمال الإله أغسطس" (Res Gestae Divi Augusti)، حيث قدمت تحليلاً زمنياً دقيقاً يتوافق مع النقاش الأكاديمي المستمر حول تاريخ هذا النصب الأثري. كما أظهرت التجارب أن تعاون المؤرخين مع الأداة يحسن دقة النتائج بشكل ملحوظ.
يقوم النظام بتحليل متكامل للنقوش عبر عدة مراحل: معالجة الصور الرقمية، تحليل النص باستخدام شبكات عصبية متخصصة، وربط المعلومات بالسياق التاريخي من خلال المقارنة مع آلاف النقوش الأخرى. هذه العملية تنجم عنها "بصمة تاريخية" فريدة لكل نص، تحدد خصائصه اللغوية والفنية وزمن كتابته ومكانها.
تجمع الأداة بين دقة التحليل التقني وعمق الفهم التاريخي، مما يساعد في وضع النصوص في سياقها الحضاري الصحيح. لاحظ الباحثون أن الأداة تسرع بشكل كبير عملية البحث عن النصوص المتشابهة، التي كانت تستغرق ساعات أو أيام، لتصبح الآن عملية تستغرق ثوان معدودة.
في ضوء هذه النتائج، يعمل الفريق البحثي على توسيع نطاق الأداة لتشمل لغات قديمة أخرى وأنواعاً مختلفة من الوثائق التاريخية، مما قد يفتح الباب أمام اكتشافات جديدة تعزز فهمنا للحضارات القديمة.